Index
Table des matiéres
Résumé
Télechargement
Texte Integral
Notes
Bibliographie
Auteur
Numéros en texte
intégral
01 | 2016
Avant-Propos
Faouzi Mahfoudh
Avant-Propos
Faouzi Mahfoudh
01 | 2016
Henchir Djedeida aux XIXe-XXe siècles: enjeux
fonciers et mutations urbaines à l'époque coloniale
Beya Abidi Belhadj
Henchir Djedeida aux XIXe-XXe siècles: enjeux fonciers et mutations urbaines à l'époque coloniale
Beya Abidi Belhadj
01 | 2016
La ville de Gaafour : une cité de cheminots
Khadija Derbel
La ville de Gaafour : une cité de cheminots
Khadija Derbel
01 | 2016
Zawiya Sidi Bou-Gabrine à Djebel Zaghouan : étude
architecturale et historique
Meriem Marzouki
Zawiya Sidi Bou-Gabrine à Djebel Zaghouan : étude architecturale et historique
Meriem Marzouki
01 | 2016
أسواق صفاقس من خلال وثيقة مؤرخة من سنة 1652
فوزي محفوظ
أسواق صفاقس من خلال وثيقة مؤرخة من سنة 1652
فوزي محفوظ
01 | 2016
فيسة المساجد الريفية وعمارتها بتلمسان (قرى بني سنوس نموذجا)
محمد رابح
فيسة المساجد الريفية وعمارتها بتلمسان (قرى بني سنوس نموذجا)
محمد رابح
01 | 2016
أوقاف الجامع الكبير بغار الملح من خلال وثيقة أرشيفية تعود إلى أواسط القرن الثامن عشر
تفاحة مفتاح
01 | 2016
أوقاف الجامع الكبير بغار الملح من خلال وثيقة أرشيفية تعود إلى أواسط القرن الثامن عشر
تفاحة مفتاح
01 | 2016
أوقاف الجامع الكبير بغار الملح من خلال وثيقة أرشيفية تعود إلى أواسط القرن الثامن عشر
تفاحة مفتاح
محتويات
ملخص
ندرس في هذا المقال وثيقة أرشيفية تعود إلى سنة 1179/1766 تتعلق بأوقاف جامع الخطبة بغار الملح. هذه الوثيقة تحصي أوقاف الجامع من رباع وعقارات، وتكشف عن أهمية هذه الأحباس وتنوّعها، كما تبين دورها في الحفاظ على المعلم وصيانته، وذلك بتوفير دخل قار يقوم بتغطية نفقات التأثيث والترميم والتجديد والإصلاح طوال السنة، ودفع أجور الموظفين والقائمين بشؤون الجامع. أمدتنا الوثيقة إلى جانب ما ذكرناه بمعلومات عدّة متعلقة بنوعية الأنشطة الفلاحيّة التي نجدها في أحواز غار الملح وفي القرى المجاورة لها مثل عوسجة ورفراف ورأس الجبل. كما تعرض رسم الحبس إلى بعض المكوّنات الحضرية لبلدة غار الملح، مثل السوق والفندق والمقهى، التي تجعلنا نصنف البلدة ضمن المدن رغم صغر حجمها، وذلك لاحتوائها على مثل هذه المرافق التي تخص المجالات الحضرية وتميز المدينة عن القرية
Dans cet article, nous étudions un document d'archives datant de l'année 1179/1766 relatif aux dotations de la mosquée Al-Khattab à Ghar El Melh. Ce document recense les dotations de la mosquée, y compris les quartiers et les biens immobiliers, et révèle l'importance et la diversité de ces dotations, ainsi que leur rôle dans la préservation et l'entretien du monument, en fournissant un revenu stable qui couvre les dépenses d'ameublement, de restauration. , en renouvelant et en réparant tout au long de l'année, et en payant les salaires des employés et des personnes en charge des affaires de la mosquée. En plus de ce que nous avons mentionné, le document nous a fourni plusieurs informations liées au type d'activités agricoles que l'on retrouve à Ahvaz Ghar El Melh et dans les villages voisins tels qu'Awsjah, Rafraf et Ras al-Jabal. Le dessin de l'incarcération montre également certaines composantes urbaines de la ville de Ghar El Melh, comme le marché, l'hôtel et le café, ce qui nous amène à classer la ville parmi les villes malgré sa petite taille, car elle contient de tels équipements qui sont spécifiques aux zones urbaines et distinguent la ville du village.
In this article, we study an archival document dating back to the year 1179/1766 related to the endowments of the Al-Khattab Mosque in Ghar El Melh. This document counts the endowments of the mosque, including quarters and real estates, and reveals the importance and diversity of these endowments. It also shows their role in preserving and maintaining the landmark, by providing a stable income that covers the expenses of furnishing, restoring, renewing and repairing throughout the year, and paying the wages of employees and those in charge of the mosque’s affairs. In addition to what we mentioned, the document provided us with several information related to the type of agricultural activities that we find in Ahvaz Ghar El Melh and in the neighboring villages such as Awsjah, Rafraf, and Ras al-Jabal. The incarceration drawing also shows some of the urban components of the town of Ghar El Melh, such as the market, the hotel, and the café, which make us classify the town among cities despite its small size, because it contains such facilities that are specific to urban areas and distinguish the town from the village.
كلمات مفاتيح
وقف، عمارة دينية، غار الملح، الجامع الكبير الحنفي، مصطفى لاز داي
لذكر هذا المقال
: تفاحة مفتاح، «أوقاف الجامع الكبير بغار الملح من خلال وثيقة أرشيفية تعود إلى أواسط القرن الثامن عشر»، في السبيل : مجلة التّاريخ والآثار والعمارة المغاربية]نسخة الكترونية]، عدد 1، 2016. http://www.al-sabil.tn/?p=2130
مقال
مقدمة
ندرس في هذا المقال وثيقة أرشيفية تعود إلى أواسط القرن الثامن عشر، ممّا يجعلها تكتسي أهمية بالغة. كما تحتوي على معلومات دقيقة تحصي أوقاف جامع الخطبة بغار الملح. وتوجد هذه الوثيقة بأرشيف أملاك الدولة والشؤون العقارية1 . وتمثل ورقة واحدة من الحجم الكبير يبلغ طولها 72.5 صم وعرضها 47.5 صم. وتساوي مقاسات المساحة المكتوبة 50 صم طولا و37 صم عرضا. وتضمّ 59 سطرا إلى جانب تذييلها بإمضاءين للعدلين الذين قاما بتحريرها. وقد كتبت الوثيقة بخط مغربي واضح عدا بعض الكلمات التي لم نستطع قراءتها كما احتوت على فراغات. وكتبت بأسلوب عامّي متداول، وتضمنت ألفاظ عاميّة وأخطاء لغوية وتكرار في بعض الأحيان. ويعود تاريخ هذه الوثيقة بالتحديد إلى سنة 1179/ 1766. ويوافق ذلك فترة حكم علي باي (1759-1782)، الذي حكم البلاد قرنا بعد بناء جامع الخطبة بغار الملح، المدينة التي اشتهرت بمينائها الحربي الذي أنشأه الداي أسطى مراد (1637-1640).
وتحتوي هذه الوثيقة الأرشيفية على معلومات هامّة ودقيقة تخصّ أوقاف جامع الخطبة بغار الملح حيث تعددها وتشير إلى أماكن توزّعها. وتعتبر هذه الوثيقة باختصار، حجة تشمل جميع الرباعات والعقارات المسجّلة والموقوفة على الجامع الكبير للبلدة. وتشمل عقارات مشجّرة وبياضا ورباعات متنوعة متواجدة بأماكن متعددة من ساحل بنزرت.
وسنعمد في بداية دراستنا لهذه الوثيقة إلى بسط لمحة تاريخية عن تأسيس بلدة غار الملح وجامعها الكبير. ثمّ سنتعرّض في مرحلة ثانية لأوقاف المعلم المتمثلة في العقارات والرباعات وذلك اعتمادا على الوثيقة مع التركيز على دور الأوقاف في الحفاظ على المعلم وتسيير شؤونه. ويتمثّل العنصر الثالث، الذي نستخلصه من الوثيقة، في نوعية الأنشطة الاقتصادية بساحل بنزرت وهي أنشطة فلاحية وحرفية وتجارية
لمحة تاريخية حول بلدة غار الملح وجامعها الكبير
بلدة غار الملح
قام ببناء بلدة غار الملح وقلعتها التي على المرسى أسطا مراد داي (1637-1640) ورغبّ الناس في سكناها2 . فقد ذكر ابن أبي دينار في كتابه المؤنس أن أسطا مراد "في أيامه بنى البرج الذي بغار الملح على يدي المعلم موسى، وأمر أن تبنى هناك مدينة واستنفر الناس إلى السكنى وسلّفهم دراهم للتعمير والإعانة فاستوطنها جمع من الأندلس وغيرهم وهو السبب فيه حتى صار من أجلّ المراسي التي بالبلاد3" . وحظيت بلدة غار الملح خلال العصر العثماني باهتمام من السلطة المركزية خصوصا في عهد حسين بن علي الذي اعتنى بمرساها وقام بإصلاحه. ورممّ حصونها وحصاراتها، إلى جانب "إنشاؤه المراكب للجهاد، وإجراؤه المياه لمرساها وإحداثه للخان العظيم بها المعدّ للمسافرين وغير ذلك" 4
وأطلقت على البلدة تسمية الثغر لما تتميز به من موقع استراتيجي هامّ. يدير شؤونها كاهية، كان يدعى خلال تاريخ الوثيقة، إسماعيل بن عبد الله التركي5 . وازدادت أهميتها بعد أن أصبح ميناءها يأوي أسطول الايالة وذلك بعد أن تخلى عن ميناء بنزرت الذي تردم وأصبح غير قادر على إيوائه
تأسيس جامع الخطبة بغار الملح
ضمّت غار الملح إلى جانب أبراجها وحصونها عدّة معالم أشهرها على الإطلاق زاوية سيدي علي المكي التي تبعد عنها 7 كم غربي البلدة، في الجهة الشمالية للميناء مما يعطيه خصوصية تضفي عليه قيمة تاريخية مرتبطة بقوة الميناء أثناء تلك الفترة والدور الذي يلعبه في ممارسة نشاط القرصنة والتصدّي لهجمات العدّو التي تأتي من ناحية البحر ويعود تاريخ إنشاء الجامع الكبير بغار الملح إلى أواسط القرن السابع عشر وبالتحديد إلى سنة 1070 /1659، وذلك حسب نقيشة تأسيسية كتبت باللغة التركية بخط ثلثي طعمّت بالرصاص على لوحة من الرخام أبيض اللون 6. ويتزامن بناء الجامع مع فترة حكم حمودة باشا التي تمتد من سنة 1631 إلى سنة 1666. شهدت الايالة خلالها العديد من الإنجازات المعمارية، نذكر منها بناؤه لجامعه المعروف بجامع حمودة باشا بتونس وزاوية الصحابي أبي زمعة البلوي بالقيروان والجامع الكبير ببنزرت وغيرها من المنشآت الأخرى
وتذكر النقيشة أن الداي الحاج مصطفى لاز هو الذي أشرف على بناء الجامع. وقد حظي هذا الداي باهتمام باي البلاد حمودة باشا. ويشير إلى ذلك الوزير السرّاج في كتابه الحلل الأندلسية في الأخبار التونسية بأن الأمير أنشأ له "دارا مفردة لا تعلم نظيرها بمدينة تونس، ووهبها له. وأهداه جارية من أفخر جواريه وزوّجه بها. وجعل لها شوارا عالي القيم بمثابة واحدة من بناته. وصنع معه من الجميل ما يخرج على الحصر7" . كما قام هذا الداي أيضا بتدعيم تحصينات المدينة، فأنشأ بها البرج الشرقي وبرج تونس 8، في نفس سنة بناء الجامع. وتوفيّ الداي مصطفى لاز ليلة الجمعة التاسع عشر من ذي الحجة سنة خمس وسبعين وألف 1075/ 3 جويلية 1665 9
وقد تعرض الجامع الكبير بغار الملح في السنوات الأخيرة إلى العديد من الترميمات والتغييرات الطفيفة، لكنه ما زال يحافظ على معالمه المعمارية الأصلية، وابتداء من القرن الثامن عشر تواتر ذكره بوثائق الأرشيف وأهمّها الوثيقة التي نحن بصدد دراستها، لكن أغلب الوثائق تعود إلى القرن التاسع عشر والقرن العشرين وهي تعكس أهميّة هذا الجامع من خلال وفرة أحباسه وتنوعها
أوقاف جامع الخطبة بغار الملح
من خلال وثيقة الأرشيف التي قمنا بتقديمها يبلغ عدد أحباس جامع الخطبة بغار الملح 54 وقفا. يشرف على تسييرها وكيل الأحباس وناظر الجامع إلى جانب النائب عن وكيل أحباس الجامع. وقد تولى خطة وكيل الجامع المكرم ابن العيد الطرودي سنة 1179/1765. كما تولاها الأجلّ البلوكباشي الحنفي أمين البلد الحاج محمد بن المرحوم حسن أرنؤوط سنة 101216/1801 . وتذكر وثائقنا عددا من النواب عن أوقاف الجامع نحصى منهم 11: حمودة بن الحاج علي معتوق، ورد في وثيقة بتاريخ سنة 1163/1749؛ وحسين بن الضيف، ورد في وثيقة بتاريخ /1782. وتتوزع مجموع أحباس الجامع الكبير إلى صنفين بعضها برسوم أحباس موجودة عند وكيل الجامع وأخرى تعرف بالشهرة. كما
.إلى عقارات ورباع
العقارات
تبيّن الوثيقة أن جلّ أوقاف الجامع هي من العقارات، 48 عقارا من مجموع 54 وقفا. وتنقسم هذه العقارات إلى ثلاثة أصناف: 34 جنانا زيتونا و10 قطع أرضا بيضاء و4 قطع أرضا مشجّرة تينا وعنبا. وتتوّزع العقارات الموقوفة على الجامع الكبير بغار الملح على كامل ساحل بنزرت، إذ تنتشر على 7 مناطق، وتتصدر القائمة عوسجة التي تستأثر بـ 36 وقفا من جملة 54، مقابل 7 أوقاف بغار الملح و3 في كل من رأس الجبل وبني عطاء ورفراف، واثنان بماتلين، ووقف واحد بصونين
الرباعات
لا تتجاوز الرباعات عشر مجموع الأوقاف. وتتمثل في ستة منشآت عمرانية تتواجد في غار الملح وهي كالآتي: فندقا قبلي الباب يعرف بفندق الحبس يوجد بسوق غار الملح من الجهة القبلية منه، ومقهى قبلية الباب تعرف بالقهوة الواطية بسوق غار الملح أيضا، ودارا
جوفية الباب ذات الجنينة تعرف بدار العلجية 12، وثمانية حوانيت توجد بسوق بلد غار الملح منها ستّة قبلية الباب تستغل أربعة من الستة للحجامة والخامس حسايري والسادس حانوت سوقي، أمّا الحانوتان المتبقيان فهما جوفيا الباب. ويعرف كلاهما بحانوت الفوّال
دور الأوقاف
لقد رصدت معظم مداخيل الأوقاف بعد بيع محصول العقارات وجمع كراء الرباعات كل سنة على يد الوكيل ونائبه، لصيانة المعلم وتوفير ما يحتاجه من الأغراض من بناء وترميم وإصلاح وتجصيص وغير ذلك من توسيع وتأثيث، والملفت للنظر هنا أن بعض الأوقاف جعلت حبسا على جزء من الجامع ونذكر مثالا عن ذلك تحبيس قطعة أرض معدّة للحراثة توجد ببلد بني عطاء وتحبيس طريفة زيتون تعرف بطريفة زيتون المحراب توجد جوفي بلد رأس الجبل على محراب جامع الخطبة بغار الملح. ويقع إلى جانب ذلك رصد جزء من مداخيل أوقاف الجامع للتكفل بأجور القائمين عليه من وكيل أو ناظر أحباس الجامع الذي بيده الأوقاف حيث يعود إليه النظر في تسيير شؤون الجامع، كذلك الإمام الأول بالجامع الذي من مهامه الإمامة والخطبة بالجامع إلى جانب التدريس. وقد تقلّد هذه الخطة الشيخ أحمد بن محمد جنويز سنة 1275/1858 وكان يتقاضى مرتبا قدره عشرون ريالا وعشرة خرارب 13، والإمام الثاني وهو "إمام الخمس بالجامع ويكون نائبا في الخطة "عند قيام عذر بالخطيب يمنعه الخطبة في غيبة أو مرض14" وقد باشر هذه الخطة الشيخ علي بن محمد جنويز سنة 161302/1884، وكان مرتبه عشرة ريالات وخمسة خرارب15 .
تصرف مداخيل الأحباس أيضا لدفع مرتبات الخواجات، البالغ عددهم خمسة، والمؤذن الذي يتولى عادة مهمّتي الميضاوي والوقّاد إلى جانب رفع الآذان، ويسمّى باش خوجة في الوثائق الأرشيفية. جمع بين كل من هذه المهام، وقاد وميضاوي ومؤذن وقارئ على كرسي الختمة، الصادق جنويز أخ الإمام الشيخ علي جنويز، وقد عيّن بهذه الوظيفة سنة 1302/1884 . كما يخصص في معظم الأحيان جزءا من المداخيل يصرف على الطلبة، ويجمع المتبقي من مداخيل الأحباس لشراء ربع أو عقار يضاف إلى بقية الأحباس.
كما يقع تحبيس بعض الأوقاف على موظفين بالجامع ونذكر منها تحبيس دار جوفية الباب تعرف بدار العلجية وجنينة ملاصقة لها من الناحية القبلية توجد ببلد غار الملح على إمام الخطبة والخواجات بجامع السادات الحنفية بالبلد وهم المتصرفون في الدار والجنينة على وجه الحبسية 17، كما تم ّالإشارة إلى طريفتي أرض بيضاء وبهما بعض شجيرات اللوز وتعرف بدور الجامع ذات البئر وهو بئر الميضة، توجد جوفي بلد غار الملح ملاصقة
لميضاة الجامع، حبّستا على الميضاوي القائم بميضاة جامع الخطبة بغار الملح، المدعو مصطفى بن محمّد الشيخ الأندلسي سنة181294/1877
وتكشف هذه المعطيات المتوفرة في الوثيقة أهميّة الأوقاف في الحفاظ على المعالم الدينية من حيث الصيانة والترميم إضافة إلى التكفل بأجور القائمين عليها، فهي تساهم بشكل مباشر في دعم الأنشطة الدينية. كما تكشف الوثيقة بعض المعطيات المتعلقة أولا بالمرافق الحضرية بمدينة غار الملح خلال أواسط القرن الثامن عشر، أو المتعلقة بنوعية الأنشطة الاقتصادية بساحل بنزرت.
الأنشطة الاقتصادية بساحل بنزرت
تبيّن الوثيقة توزع أوقاف جامع الخطبة بغار الملح على مناطق مختلفة من ساحل بنزرت، وهي تحمل بذلك معطيات متنوعة عن الحركية الاقتصادية للجهة عموما وعن بلد غار الملح خصوصا خلال العصر العثماني وذلك على المستويات الفلاحية والخدمية والحرفية
النشاط الفلاحي
تستقطب الفلاحة النسبة الغالبة من السكان وهي تتنوع إلى مجالات عدّة أهمّها غراسة الزياتين، معظم الأراضي الموقوفة على الجامع كانت مشجرة زيتونا. ولقد ذكرت بوثائق الأرشيف التي تخصّ ساحل بنزرت خلال الفترة العثمانية عدّة معاصر لعصر حبّ الزيتون التي عرفت بها الجهة منذ القديم. وقد بنيت أغلب هذه المعاصر خارج أسوار المدن والبلدات. ويشرف عليها أمين المعاصرية ويدعى محمد بن حمودة زيوزيو19 . وقد ذكرت بمدينة بنزرت 10 معاصر سنة 201289/1872 .
كما ذكرت برأس الجبل ثلاث معاصر إحداها "قبلية الباب الكائنة قرب سوق البلد يحدّها قبلة طريق حيث يفتح بابها وشرقا وغربا كذلك وجوفا ورثة بن رمضان وغيرهم21" ، والثانية قبلية الباب أيضا معروفة بالطويلة كائنة بسوق البلد يحدّها قبلة طريق حيث يفتح بابها وشرقا ورثة حسين التركي وجوفا ورثة محمد شحمة وغربا دار قبلية الباب المعروفة بالدريبة المحتوية على ثلاثة مخازن، تاريخ الوثيقة 1197/1773، أما المعصرة الثالثة فهي للشاذلي بن عبد الرحمان العنابي كائنة بحومة الشيخ الولي الصالح سيدي قاسم22 . كما ذكر بالعالية ثلاث معاصر الأولى "معصرة معدّة لعصر الزيتون كائنة خارج باب بنزرت وتعرف بمعصرة الجامع يحدّها قبلة أرض بيضاء من أوقاف الشيخ سيدي مصطفى حيث يفتح بابها وشرقا وجوفا طريق وغربا ورثة آمنة بنت المرحوم قاسم النجار وبه شهر الأندلسي23" ، والمعصرة الثانية من أحباس جامع بلد العالية، تاريخ الوثيقة سنة 1205/1790، وهي "معصرة قبلية المفتح بها داموس من جهتها الشرقية24" ، والمعصرة الثالثة
المذكورة"معصرة محمد بن الحاج إبراهيم الحبيب الأندلسي من سكان بلد العالية يحدّها قبلة دار محمد بن حمدة الأندلسي وشرقا وجوفا طريق وغربا أرض للمالك المذكور وأرض لخميس بن محمد الحبيب وقفت على زاوية الرحمانية الكائنة ببلد العالية25" . كما ذكرت عدّة معاصر أخرى أربع منها بمنزل جميل، تاريخ الوثيقة سنة 261140/1727، "معصرة محوّط عليها طابية خارج منزل جميل معروفة بالقايد بوحملة" والثانية فهي "أنقاض معصرة معدّة لعصر حبّ الزيتون بالتخت ،غربي منزل جميل، وهي حبس على الجامع المعروف بأبي سنينة، وكان أحدثها محمد شلبي ابن القبطان يوسف رايص التركي على أن يلتزموا بمطر واحد زيت في كل عام للجامع المذكور ومعصرة ثالثة غربية الباب والرابعة " المعصرة المحدث بناءها شرقي البلد قبلية الباب المعدّة لعصر حبّ الزيتون الذي أحدث بناءها المعظم الأرفع الهمام الأنفع أبي عبد الله سيدي حسين باي". وتذكر وثائق الأرشيف، سنة 271274/1857 ، وجود معصرة " قبلية الباب داخل بلد الماتلين دخلت في عموم ملك مولانا المشير بالشراء من ورثة عثمان بن حمودة حجّة يحدّها قبلة وشرقا طريق وجوفا طريق في البعض ودار لورثة عثمان الحمامي في الباقي وغربا طريق في البعض ومخزن لورثة عثمان حجّة"، كما ذكرت سنة 281289/1872 معصرة بمنزل عبد الرحمان.
لم تقتصر منطقة ساحل بنزرت في فلاحتها على غراسة الزيتون بل نوعت في غراستها مثل اللوز والتوت والعنب وغيرها من الأشجار المثمرة التي اشتهرت بها المنطقة، ومثال ذلك "جنينة مشجّرة توتا ولوزا من أوقاف جامع الخطبة كائنة قرب الجبانة شرقي بلد رأس الجبل29" ، و"جنان مشجّر بالعود الرقيق بمزارع رأس الجبل وقف سيدي يحيى بالمكان30" ، و"جنان عنب وموضع زيتون ببلد بني غالب برأس الجبل31" ، و" جنان مشجّر عنبا ومشماشا كائن بالرمل شرقي بلد الماتلين32" و"سانية سقوية ذات البئر المشجّرة بأنواع الغراسات كائنة غربي بلد غار الملح حبس على الجامع الجوفي الباب الكائن برحبة البلد33" . كما تنوعت في المنطقة الأنشطة الفلاحية كزراعة الحبوب مثل القمح والشعير في السهول الخصبة وفي المناطق الجبلية الملائمة معتمدة في ذلك على خصوبة التربة وكمية الأمطار النازلة.
وانتشرت أغلب هذه الغراسات والزراعات ومنها زراعة الكرضون 34 وزراعة الباكورات مثل الفلفل والطماطم وغيرها بساحل بنزرت عن طريق الجالية الأندلسية التي اعتنت كثيرا بالنشاط الفلاحي بإدخالها طرق حديثة للاستغلال وتطوير نمط الزراعة التقليدية
الأنشطة الحرفية والتجارية بغار الملح
تعددت الأنشطة الحرفية والتجارية ببلدة غار الملح خلال أواسط القرن الثامن عشر، وهي تمارس في الحوانيت والدكاكين والفنادق والمقاهي. وتذكر الوثيقة وجود مقهى قبلية الباب تعرف بالقهوة الواطية بسوق غار الملح. كما وقعت الإشارة في وثائق أخرى إلى مقهى ثان قبلية المفتح بالسوق محبّسة على زاوية سيدي علي المكي 35. وإلى جانب المقاهي هناك الفنادق متمثلة في فندق قبلي الباب يعرف بفندق الحبس بسوق غار الملح وفندق ثان شرقي المفتح وبه مخزن ملاصق لزاوية سيدي علي المكي من قبليها ومن أحباسها 36. ووجدت ببلدة غار الملح عدّة حوانيت متصلة بالفندق من الجهة القبلية منه منها حانوتان جوفيتان الباب بالسوق تعرفان بحوانيت الفوّالة نسبة لنوعية البضاعة التي تبيعها، وحانوت سوقي ملاصق للحانوتين المذكورين آنفا، وأربعة حوانيت للحجامة، وقد حبّست كل الرباعات التي أشارت إليها الوثيقة التي هي موضوع ورقتنا.
وإن كانت الوثيقة قد كشفت عن بعض الملامح المعمارية للمدينة خلال أواسط القرن الثامن عشر فإنها تبقى غير ملّمة بالمكونات الحضرية للمدينة، لأنها اقتصرت على أحباس جامع الخطبة. وإذا ما رجعنا إلى وثائق أخرى تخصّ أحباس بقية المعالم بالبلدة خلال العصر العثماني، يتجلّى لنا الثراء المعماري والديناميكية الاقتصادية التي شهدتها غار الملح في تلك الفترة. فضمّت أحباس مسجد الرحبة، سنة 1295/1878، طاحونة قبلية المفتح توجد بالرحبة مشتملة على دواميس شرقيها، وهذه الطاحونة محتوية على أربعة مساكب وبهم ثلاثة أقواس "يحدّها قبلة طريق حيث المفتح في البعض وفي الباقي حوانيت وقف مسجد الرحبة وشرقا كوشة على حالة الخراب من أوقاف المسجد الرحبة وجوفا دارا لورثة المرحوم محمد بن قاسم معيز وفي البعض الباقي دار للمكرم محمد بن الحاج أحمد البجاوي وغربا طريق37" ، و"كوشة شرقية بوسط رحبة غار الملح من أوقاف مسجد الرحبة يحدّها قبلة حوانت وقف مسجد الرحبة وشرقا طريق حيث المفتح وجوفا ورثة دار محمد بن قاسم معيز ومنهم أبناؤه صالح وعلي وغربا حوش طاحونة من أوقاف المسجد المذكور، بها بيتان للنار"، تاريخ الوثيقة سنة 381297/1879
خاتمة
تعتبر هذه الوثيقة النادرة موضوع هذا المقال مصدرا تاريخيا هاما، فهي تحصي أوقاف جامع الخطبة بغار الملح خلال أواسط القرن الثامن عشر، وتكشف عن أهمية هذه الأحباس وتنوّعها، كما تبين دورها في الحفاظ على المعلم وصيانته، وذلك بتوفير دخل قار يقوم بتغطية نفقات التأثيث والترميم والتجديد والإصلاح طوال السنة، ودفع أجور الموظفين والقائمين بشؤونه. وأمدتنا الوثيقة إلى جانب ما ذكرناه بمعلومات عدّة متعلقة بنوعية الأنشطة الفلاحيّة التي نجدها في أحواز غار الملح وفي القرى المجاورة لها، إضافة إلى بعض المكوّنات الحضرية لبلدة غار الملح التي كانت تنتمي إلى صنف المدن رغم صغر حجمها، وذلك لاحتوائها على بعض المرافق التي تخص المجالات الحضرية، وتميز المدن عن القرى مثل السوق والفندق والمقهى